فصل: ذكر وفاة القائم وولاية المنصور

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر وفاة القائم وولاية المنصور

في هذه السنة توفي القائم بأمر الله أبو القاسم محمد بن عبيدالله المهدي العلوي صاحب إفريقية لثلاث عشرة مضت من شوال وقام بالأمر بعده ابنه إسماعيل وتلقب المنصور بالله وكتم موته خوفًا أن يعلم بذلك أبو يزيد وهو بالقرب منه على سوسة وأبقى الأمور على حالها ولم يتسم بالخليفة ولم يغير السكة ولا الخطبة ولا البنود وبقي على ذلك إلى أن فرغ من أمر أبي يزيد فلما فرغ منه أظهر موته وتسمى بالخلافة وعمل آلات الحرب والمراكب وكان شهمًا شجاعًا وضبط الملك والبلاد‏.‏

  ذكر إقطاع البلاد وتخريبها

فيها شغب الجند على معز الدولة بن بويه وأسمعوه المكروه فضمن لهم إيصال أرزاقهم في مدة ذكرها لهم فاضطر إلى خبط الناس وأخذ الأموال من غير وجوهها وأقطع قواده وأصحابه القرى جميعها التي للسلطان وأصحاب الأملاك فبطل لذلك أكثر الدواوين وزالت أيدي العمال وكانت البلاد قد خربت من الاختلاف والغلاء والنهب فأخذ القواد القرى العامرة وزادت عمارتها معهم وتوفر دخلها بسبب الجاه فلم يمكن معز الدولة العود عليهم بذلك‏.‏

وأما الأتباع فإن الذي أخذوه ازداد خرابًا فردوه وطلبوا العوض عنه فعوضوا وترك الأجناد الاهتمام بمشارب القرى وتسوية طرقها فهلكت وبطل الكثير منها‏.‏

وأخذ غلمان المقطعين في ظلم وتحصيل العاجل فكان أحدهم إذا عجز الحاصل تممه بمصادراتها‏.‏

ثم إن معز الدولة فوض حماية كل موضع إلى بعض أكابر أصحابه فاتخذه مسكنًا وأطمعه فاجتمع إليهم الإخوة وصار القواد يدعون الخسارة في الحاصل فلا يقدر وزيره ولا غيره على تحقيق ذلك فإن اعترضهم معترض صاروا أعداء له فتركوا وما يريدون فازداد طمعهم ولم يقفوا عند غاية فتعذر على معز الدولة جمع ذخيرة تكون للنوائب والحوادث وأكثر من إعطاء غلمانه الأتراك والزيادة لهم في الإقطاع فحسدهم الديلم وتولد من ذلك الوحشة والمنافرة فكان من ذلك ما نذكره‏.‏

  ذكر موت الإخشيد وملك سيف الدولة دمشق

في هذه السنة في ذي الحجة مات الإخشيد أبو بكر محمد بن طغج صاحب ديار مصر وكان مولده سنة ثمان وستين ومائتين ببغداد وكان موته بدمشق وقيل مات سنة خمس وثلاثين وولي الأمر بعده ابنه أبو القاسم أنوجور فاستولى على الأمر كافور الخادم الأسود وهو من خدم الإخشيد وغلب أبا الاسم واستضعفه وتفرد بالولاية وكافور هذا هو الذي مدحه المتنبي ثم هجاه‏.‏

وكان أبو القاسم صغيرًا وكان كافور أتابكه فلهذا استضعفه وحكم عليه فسار كافور إلى مصر فقصد سيف الدولة دمشق فملكها وأقام بها فاتفق أنه كان يسير هو والشريف العقيلي بنواحي دمشق فقال سيف الدولة‏:‏ ما تصلح هذه الغوطة إلا لرجل واحد فقال له العقيلي‏:‏ هي لأقوام كثيرة فقال سيف الدولة‏:‏ لئن أخذتها القوانين السلطانية لينبرون منها فأعلم العقيلي أهل دمشق بذلك فكاتبوا كافورًا يستدعونه فجاءهم فأخرجوا سيف الدولة عنهم سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وكان أنوجور مع كافور فتبعوا سيف الدولة إلى حلب فخافهم سيف الدولة فعبر إلى الجزيرة وأقام أنوجور على حلب ثم استقر الأمر بينهما وعاد أنوجور إلى مصر وعاد سيف الدولة إلى حلب وأقام كافور بدمشق يسيرًا وولي عليها بدر الإخشيدي ويعرف ببدير وعاد إلى مصر فبقي بدير على دمشق سنة ثم وليها أبو المظفر بن طغج وقبض على بدير‏.‏

  ذكر مخالفة أبي علي على الأمير نوح

و في هذه السنة خالف أبو علي بن محتاج على الأمير نوح صاحب خراسان وما وراء النهر‏.‏

وسبب ذلك أن أبا علي لما عاد من مرو إلى نيسابور وتجهز للمسير إلى الري أنفذ إليه الأمير نوح عارضًا يستعرض العسكر فأساء العارض السيرة معهم وأسقط منهم ونقص فنفرت قلوبهم فساروا وهم على ذلك وانضاف إلى ذلك أن نوحًا أنفذ معهم من يتولى أعمال الديوان وجعل إليه الحل والعقد والإطلاق بعد أ كان جميعه أيام السعيد نصر بن أحمد إلى أبي علي فنفر قلبه لذلك ثم إنه عزل عن خراسان واستعمل عليها إبراهيم بن سيمجور كما ذكرناه‏.‏

ثم إن المتولي أساء إلى الجند في معاملاتهم وحوائجهم وأرزاقهم فازدادوا نفورًا فشكا بعضهم إلى بعض وهم إذ ذاك بهمذان واتفق رأيهم على مكاتبة إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل عم نوح واستقدامه إليهم ومبايعته وتمليكه البلاد‏.‏

وكان إبراهيم حينئذ بالموصل في خدمة ناصرا الدولة وكان سبب مسيره إليها ما ذكرناه قبل فلما اتفقوا على ذلك أظهروا عليه أبا علي فنهاهم عنه فتوعدوه بالقبض عليه إن خالفهم فأجابهم إلى ما طلبوا فكاتبوا إبراهيم وعرفوه حالهم فسار إليهم في تسعين فارسًا فقدم عليهم في رمضان من هذه السنة ولقيه أبو علي بهمذان وساروا معه إلى الري في شوال فلما وصلوا إليها اطلع أبو علي من أخيه الفضل على كتاب كتبه إلى الأمير نوح يطلعه على حالهم فقبض عليه وعلى ذلك المتولي الذي أساء إلى الجند وسار إلى نيسابور واستخلف على الري والجبل نوابه‏.‏

وبلغ الخبر إلى الأمير نوح فتجهز وسار إلى مرو من بخارى وكان الأجناد قد ملوا من محمد بن أحمد الحاكم المتولي للأمور لسوء سيرته فقالوا لنوح‏:‏ إن الحاكم أفسد عليك الأمور بخراسان وأحوج أبا علي إلى العصيان وأوحش الجنود وطلبوا تسليمه إليهم وإلا ساروا إلى عمه إبراهيم وأبي علي فسلمه إليهم فقتلوه في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين ولما وصل أبو علي إلى نيسابور كان بها إبراهيم بن سيمجور ومنصور ابن قراتكين وغيرهما من القواد فاستمالهما أبو علي فمالا إليه وصارا معه ودخلها في المحرم سنة خمسة وثلاثين ثم ظهر له من منصور ما يكره فقبض عليه‏.‏

ثم سار أبو علي وإبراهيم من نيسابور في ربيع الأول سنة خمس وثلاثين إلى مرو وبها الأمير نوح فهرب الفضل أخو أبي علي من محبسه احتال على الموكلين به وهرب إلى قوهستان فأقام بها وسار أبو علي إلى مرو فلما قاربها أتاه كثير من عسكر نوح وسار نوح عنها إلى بخارى واستولى أبو علي على مرو في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وأقام بها أيامًا وأتاه أكثر أجناد نوح وسار نحو بخارى وعبر النهر إليها ففارقها نوح وسار إلى سمرقند ودخل أبو علي بخارى في جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وخطب فيها لإبراهيم العم وبايع له الناس‏.‏

ثم إن أبا علي اطلع من إبراهيم على سوء قد أضمره له ففارقه وسار إلى تركستان وبقي إبراهيم في بخارى وفي خلال ذلك أطلق أبو علي منصور بن قراتكين فسار إلى الأمير نوح‏.‏

ثم إن إبراهيم وافق جماعة في السر على أن يخلع نفسه من الأمر ويرده إلى ولد أخيه الأمير نوح ويكون هو صاحب جيشه ويتفق معه على قصد أبي علي ودعا أهل بخارى إلى ذلك فأجابوه واجتمعوا وخرجوا إلى أبي علي وقد تفرق عنه أصحابه وركب إليهم في خيل فردهم إلى البلد أقبح رد وأراد إحراق البلد فشفع إليه مشايخ بخارى فعفا عنهم وعاد إلى مكانه

واستحضر أبا جعفر محمد بن نصر بن أحمد وهو أخو الأمير نوح وعقد له الإمارة وبايع له وخطب له في النواحي كلها‏.‏

ثم ظهر لأبي علي فساد نيات جماعة من الجند فرتب أبا جعفر في البلد ورتب ما يجب ترتيبه وخرج عن البلد يظهر المسير إلى سمرقند ويضمر العود إلى الصغانيان ومنها إلى نسف فلما خرج من البلد رد جماعة من الجند والحشم إلى بخارى وكاتب نوحًا بإفراجه عنها‏.‏

ثم سار إلى الصغانيان في شعبان ولما فارق أبو علي بخارى خرج إبراهيم وأبو جعفر محمد بن نصر إلى سمرقند مستأمنين إلى نوح مظهرين الندم على ما كان منهم فقربهم وقبلهم ووعدهم وعاد إلى بخارى في رمضان وقتل نوح في تلك الأيام طغان الحاجب وسمل عمه إبراهيم وأخويه أبا جعفر محمدًا وأحمد وعادت الجيوش فاجتمعت عليه والأجناد وأصلح الفساد‏.‏

وأما الفضل بن محمد أخو أبي علي فإنه لما هرب من أخيه كما ذكرناه ولحق بقوهستان جمع جمعًا كثيرًا وسار نحو نيسابور وبها محمد بن عبد الرزاق من قبل أبي علي فخرج منها إلى الفضل فالتقيا وتحاربا فانهزم الفضل ومعه فارس واحد فلحق ببخارى فأكرمه الأمير نوح وأحسن إليه وأقام في خدمته‏.‏

لما عاد الأمير نوح إلى بخارى وأصلح البلاد وكان أبو علي بالصغانيان وبمرو أبو أحمد محمد بن علي القزويني فرأى نوح أن يجعل منصور بن قراتكين على جيوش خراسان فولاه ذلك وسيره إلى مرو وبها أبو أحمد وقد غور المناهل ما بين آمل ومرو ووافق أبا علي ثم تخلى عنه‏.‏

وسار إليه منصور جريدة في ألفي فارس فلم يشعر القزويني إلا بنزول منصور بكشماهن على خمسة فراسخ من مرو واستولى منصور على مرو واستقبله أبو أحمد القزويني فأكرمه وسيره إلى بخارى مع ماله وأصحابه فلما بلغها أكرمه الأمير نوح وأحسن إليه إلا أنه وكل به فظفر بعض الأيام برقعة قد كتبها القزويني بما أنكره فأحضره وبكته بذنوبه ثم قتله‏.‏

  ذكر مصالحة أبي علي مع نوح

ثم إن أبا علي أقام بالصغانيان فبلغه أن الأمير نوحًا قد عزم على تسيير عسكر إليه فجمع أبو علي الجيوش وخرج إلى بلخ وأقام بها وأتاه رسول الأمير نوح في الصلح فأجاب إليه فأبى عليه جماعة ممن معه من قواد نوح الذين انتقلوا إليه وقالوا‏:‏ نحب أن تردنا إلى منازلنا ثم صالح فخرج أبو علي نحو بخارى فخرج إليه الأمير نوح في عساكره وجعل الفضل بن محمد أخا أبي علي صاحب جيشه فالتقوا بجرجيك في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وتحاربوا قبيل العصر فاستأمن إسماعيل بن الحسن الداعي إلى نوح وتفرق العسكر عن أبي علي فانهزم ورجع إلى الصغانيان‏.‏

ثم بلغه أن الأمير نوحًا قد أمر العساكر بالميسر إليه من بخارى وبلخ وغيرهما وأن صاحب الختل قد تجهز لمساعدة أصحاب أبي علي فسار أبو علي في جيشه إلى ترمذ وعبر جيحون وسار إلى بلخ فنازلها واستولى عليها وعلى طخارستان وجبى مال تلك الناحية‏.‏

وسار من بخارى عسكر جرار إلى الصغانيان فأقاموا بنسف ومعهم الفضل بن محمد بن أخو أبي علي فكتب جماعة من قواد العسكر إلى الأمير نوح بأن الفضل قد اتهموه بالميل إلى أخيه فأمرهم بالقبض عليه فقبضوا عليه وسيروه إلى بخارى‏.‏

وبلغ خبر العسكر إلى أبي علي وهو بطخارستان فعاد إلى الصغانيان ووقعت بينهم حروب وضيق عليهم أبو علي في العلوفة فانتقلوا إلى قرية أخرى على فرسخين من الصغانيان فقاتلهم أبو علي في ربيع الأول سنة سبع وثلاثين قتالًا شديدًا فقهروه وسار إلى شومان وهي على ستة عشر فرسخًا من الصغانيان ودخل عسكر نوح إلى الصغانيان فأخربوا قصور أبي علي ومساكنه وتبعوا أبا علي فعاد إليهم واجتمع إليه الكتيبة وضيق على عسكر نوح وأخذ عليهم المسالك فانقطعت عنهم أخبار بخارى وأخبارهم عن بخارى نحو عشرين يومًا فأرسلوا إلى أبي علي يطلبون الصلح فأجابهم إليه واتفقوا على إنفاذ ابنه أبي المظفر عبدالله رهينة إلى الأمير نوح واستقر الصلح بينهما في جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة‏.‏

وسير ابنه إلى بخارى فأمر نوح باستقباله فأكرمه وأحسن إليه وكان قد دخل إليه بعمامة فخلع عليه القلنسوة وجعله من ندمائه وزال الخلف‏.‏

وكان ينبغي أن نذكر هذه الحوادث في السنين التي هي فيها كانت وإنما أوردناها متتابعة في هذه السنة لئلا يتفرق ذكرها‏.‏

هذا الذي ذكره أصحاب التواريخ من الخراسانيين وقد ذكر العراقيون هذه الحوادث على غير هذه السياقة وأهل كل بلد أعلم بأحوالهم ونحن نذكر ما ذكره العراقيون مختصرًا قالوا‏:‏ إن أبا علي لما سار نحو الري في عساكر خراسان كتب ركن الدولة إلى أخيه عماد الدولة يستمده فأرسل إليه يأمره بمفارقة الري والوصول إليه لتدبير له في ذلك ففعل ركن الدولة ذلك‏.‏

ودخل أبو علي الري فكتب عماد الدولة إلى نوح سرًّا يبذل له في الري في كل سنة زيادة على ما بذله أبو علي مائة ألف دينار ويعجل ضمان سنة ويبذل من نفسه مساعدته على أبي علي حتى يظفر به وخوفه منه فاستشار نوح أصحابه وكانوا يحسدون أبا علي ويعادونه فأشاروا عليه بإجابته فأرسل نوح إلى ابن بويه من يقرر القاعدة ويقبض المال فأكرم الرسول ووصله بمال جزيل وأرسل إلى أبي علي يعلمه خبر هذه الرسالة وأنه مقيم على عهده ووده وحذره من غدر الأمير نوح فأنفذ أبو علي رسوله إلى إبراهيم وهو بالموصل يستدعيه ليملكه البلاد فسار إبراهيم فلقيه أبو علي بهمذان وساروا إلى خراسان‏.‏

وكتب عماد الدولة إلى أخيه ركن الدولة يأمره بالمبادرة إلى الري فعاد إليه واضطربت خراسان ورد عماد الدولة رسول نوح بغير مال وقال‏:‏ أخاف أن أنفذ المال فيأخذه أبو علي وأرسل إلى نوح يحذره من أبي علي ويعده المساعدة عليه وأرسل إلى أبي علي يعده بإنفاذ العساكر نجدة له ويشير عليه بسرعة اللقاء وإن نوحًا سار فالتقى هو وأبو علي بنيسابور فانهزم نوح وعاد إلى سمرقند واستولى أبو علي بخارى وإن أبا علي استوحش من إبراهيم فانقبض عنه‏.‏

وجمع نوح العساكر وعاد إلى بخارى وحارب عمه إبراهيم فلما التقى الصفان عاد جماعة من قواد إبراهيم إلى نوح وانهزم الباقون وأخذ إبراهيم أسيرًا فسمل هو وجماعة من أهل بيته سلمهم نوح‏.‏

في هذه السنة اصطلح معز الدولة وأبو القاسم البريدي وضمن أبو القاسم مدينة واسط وأعمالها منه‏.‏

وفيها اشتد الغلاء ببغداد حتى أكل الناس الميتة والكلاب والسنانير وأخذ بعضهم ومعه صبي قد شواه ليأكله وأكل الناس خروب الشوك فأكثروا منه وكانوا يسلقون حبه ويأكلونه فلحق الناس أمراض وأورام في أحشائهم وكثر فيهم الموت حتى عجز الناس عن دفن الموتى فكانت الكلاب تأكل لحومهم وانحدر كثير من أهل بغداد إلى البصرة فمات أكثرهم في الطريق ومن وصل منهم مات بعد مديدة يسيرة وبيعت الدور والعقار بالخبز فلما دخلت الغلات انحل السعر‏.‏

وفيها توفي علي بن عيسى بن داود بن الجراح الوزير وله تسعون سنة وقد تقدم من أخباره ما يدل على دينه وكفايته‏.‏

وفيها توفي أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبدالله الخرقي الفقيه الحنبلي ببغداد وأبو بكر الشبلي الصوفي توفي في ذي الحجة ومحمد بن عيسى أبو عبدالله ويعرف بابن أبي موسى الفقيه الحنفي في ربيع الأول‏.‏

في هذه السنة في المحرم استقر معز الدولة ببغداد وأعاد المطيع لله إلى دار الخلافة بعد أن استوثق منه وقد تقدم ذلك مفصلًا‏.‏

وفيها اصطلح معز الدولة وناصر الدولة وكانت الرسل تتردد بينهما بغير علم من الأتراك التوزونية وكان ناصر الدولة نازلًا شرقي تكريت فلما علم الأتراك بذلك ثاروا بناصر الدولة فهرب منهم وعبر دجلة إلى الجانب الغربي فنزل على ملهم والقرامطة فأجاروه وسيروه ومعه ابن شيرزاد إلى الموصل‏.‏

  ذكر حرب تكين وناصر الدولة

لما هرب ناصر الدولة من الأتراك ولم يقدروا عليه اتفقوا على تأمير تكين الشيرازي وقبضوا على ابن قرابة وعلى كتاب ناصر الدولة ومن تخلف من أصحابه وقبض ناصر الدولة على ابن شيرزاد عند وصوله إلى جهينة ولم يلبث ناصر الدولة بالموصل بل سار إلى نصيبين ودخل تكين والأتراك إلى الموصل وساروا في طلبه فمضى إلى سنجار فتبعه تكين إليها فسار ناصر الدولة من سنجار إلى الحديثة فتبعه تكين‏.‏

وكان ناصر الدولة قد كتب إلى معز الدولة يستصرخه فسير الجيوش إليه فسار ناصر الدولة من الحديثة إلى السن فاجتمع هناك بعسكر معز الدولة وفيهم وزيره أبو جعفر الصيمري وساروا بأسرهم إلى الحديثة لقتال تكين فالتقوا بها واقتتلوا قتالًا شديدًا فانهزم تكين والأتراك بعد أن كادوا يستظهرون فلما انهزموا تبعهم العرب من أصحاب ناصر الدولة فأدركوهم وأكثروا القتل فيهم وأسروا تكين الشيرازي وحملوه إلى ناصر الدولة فسلمه في الوقت فأعماه وحمله إلى قلعة من قلاعه فسجنه بها‏.‏

وسار ناصر الدولة والصيمري إلى الموصل فنزلوا شرقيها وركب ناصر الدولة إلى خيمة الصيمري فدخل إليه ثم خرج من عنده إلى الموصل ولم يعد إليه فحكي عن ناصر الدولة أنه قال‏:‏ ندمت حين دخلت خيمته فبادرت وخرجت‏.‏

وحكي عن الصيمري أنه قال‏:‏ لما خرج ناصر الدولة من عندي ندمت حيث لم أقبض عليه ثم تسلم الصيمري بن شيرزاد من ناصر الدولة ألف كر حنطة وشعيرًا وغير ذلك‏.‏

  ذكر استيلاء ركن الدولة على الري

لما كان من عساكر خراسان ما ذكرناه من الاختلاف وعاد أبو علي إلى خراسان رجع ركن الدولة إلى الري واستولى عليها وعلى سائر أعمال الجبل وأزال عنها الخراسانية وعظم ملك بني بويه فأنهم صار بأيديهم أعمال الري والجبل وفارس والأهواز والعراق ويحمل إليهم ضمان الموصل وديار بكر وديار مضر من الجزيرة‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة اختلف معز الدولة بن بويه وأبو القاسم بن البريدي والي البصرة فأرسل معز الدولة جيشًا إلى واسط فسير إليهم ابن البريدي جيشًا من البصرة في الماء وعلى الظهر فالتقوا واقتتلوا فانهزم أصحاب البريدي وأسر من أعيانهم جماعة كثيرة‏.‏

وفيها كان الفداء بالثغور بين المسلمين والروم على يد نصر الثملي أمير الثغور لسيف الدولة بن حمدان وكان عدة الأسرى ألفين وأربعمائة أسير وثمانين أسيرًا من ذكر وأنثى وفضل للروم على المسلمين مائتان وثلاثون أسيرًا لكثرة من معهم من الأسرى فوفاهم ذلك سيف الدولة‏.‏

وفيها في شعبان قبض سيف الدولة بن حمدان على أبي إسحاق محمد القراريطي وكان استكتبه استظهارًا على أبي الفرج محمد بن علي السر من رائي واستكتب أبا عبدالله محمد بن سليمان بن فهد الموصلي‏.‏

وفيها توفي محمد بن إسماعيل بن بحر أبو عبدالله الفارسي الفقيه الشافعي في شوال ومحمد بن يحيى بن عبدالله بن العباس بن محمد بن صول أبو بكر الصولي وكان عالمًا بفنون الآداب والأخبار‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وثلاثين وثلاثمائة

  ذكر استيلاء معز الدولة على البصرة

في هذه السنة سار معز الدولة ومعه المطيع لله إلى البصرة لاستنقاذها من يد أي القاسم عبدالله بن أبي عبدالله البريدي وسلكوا البرية إليها فأرسل القرامطة من هجر إلى معز الدولة ينكرون عليه مسيره إلى البرية بغير أمرهم وهي لهم فلم يجبهم عن كتابهم وقال للرسول‏:‏ قل لهم من أنتم حتى تستأمروا وليس قصدي من أخذ البصرة غيركم وستعلمون ما تلقون مني‏.‏

ولما وصل معز الدولة إلى الدرهمية استأمن إليه عساكر أبي القاسم البريدي وهرب أبو القاسم في الرابع والعشرين من ربيع الآخر إلى هجر والتجأ إلى القرامطة وملك معز الدولة البصرة فانحلت الأسعار ببغداد انحلالًا كثيرًا‏.‏

وسار معز الدولة من البصرة إلى الأهواز ليلقى أخاه عماد الدولة وأقام الخليفة وأبو جعفر الصيمري بالبصرة وخالف كوركير وهو من أكابر القواد على معز الدولة فسير إليه الصيمري فقاتله فانهزم كوركير وأخذ أسيرًا فحبسه معز الدولة بقلعة رامهرمز ولقي معز الدولة أخاه عماد الدولة بأرجان في شعبان وقبل الأرض بين يديه وكان يقف قائمًا عنده فيأمره بالجلوس فلا يفعل ثم عاد إلى بغداد وعاد المطيع أيضًا إليها وأظهر معز الدولة أنه يريد أن يسير إلى الموصل فترددت الرسل بينه وبين ناصر الدولة واستقر الصلح وحمل المال إلى معز الدولة فسكت عنه‏.‏

  ذكر مخالفة محمد بن عبد الرزاق بطوس

كان محمد بن عبد الرزاق بطوس وأعمالها وهي في يده ويد نوابه فخالف على الأمير نوح بن نصر الساماني وكان منصور بن قراتكين صاحب جيش خراسان بمرو عند نوح فوصل إليهما وشمكير منهزمًا من جرجان وقد غلبه عليها الحسن بن الفيرزان فأمر نوح منصورًا بالمسير إلى نيسابور ومحاربة محمد بن عبد الرزاق وأخذ ما بيده من الأعمال ثم يسير مع وشمكير إلى جرجان فسار منصور ووشمكير إلى نيسابور وكان بها محمد بن عبد الرزاق ففارقها نحو أستوا فاتبعه منصور فسار محمد إلى جرجان وكاتب ركن الدولة بن بويه واستأمن إليه فأمره بالوصول إلى الري‏.‏

وسار منصور من نيسابور إلى طوس وحصروا رافع بن عبد الرزاق بقلعة شميلان فاستأمن بعض أصحاب رافع إليه فهرب رافع من شميلان إلى حصن درك فاستولى منصور على شميلان وأخذ ما فيها من مال وغيره واحتمى رافع بدرك وبها أهله ووالدته هي على ثلاثة فراسخ من شميلان فأخرب منصور شميلان وسار إلى درك فحاصرها وحاربهم عدة أيام فتغيرت المياه بدرك فاستأمن محمد بن عبد الرزاق إلى منصور في جماعة من بني عمه وأهله وعمد أخوه رافع إلى الصامت من الأموال والجواهر وألقاها في البسط إلى تحت القلعة ونزل هو وجماعة فأخذوا تلك الأموال وتفرقوا في الجبال‏.‏

واحتوا منصور على ما كان في قلعة درك وأنفذ عيال محمد بن عبد الرزاق ووالدته إلى بخارى فاعتقلوا بها وأما محمد بن عبد الرزاق فإنه سار من جرجان إلى الري وبها ركن الدولة بن بويه فأكرمه ركن الدولة وأحسن إليه وحمل إليه شيئًا كثيرًا من الأموال وغيرها وسرحه إلى محاربة المرزبان على ما نذكره‏.‏

  ذكر ولاية الحسن بن علي صقلية

في هذه السنة استعمل المنصور الحسن بن علي بن أبي الحسن الكلي على جزيرة صقلية وكان وكان سبب ولايته أن المسلمين كانوا قد استضعفهم الكفار بها أيام عطاف لعجزه وضعفه وامتنعوا من إعطاء مال الهدنة وكان بصقلية بنو الطبري من أعيان الجماعة ولهم أتباع كثيرون فوثبوا بعطاف أيضًا وأعيانهم أهل المدينة عليه يوم عيد الفطر سنة خمس وثلاثين وقتلوا جماعة من رجاله وأفلت عطاف هاربًا بنفسه إلى الحصن فأخذوا أعلامه وطبوله وانصرفوا إلى ديارهم فأرسل أبو عطاف إلى المنصور يعلمه الحال ويطلب المدد‏.‏

فلما علم المنصور ذلك استعمل على الولاية الحسن بن علي وأمره بالمسير فسار في المراكب فأرسى بمدينة مازر فلم يلتفت إليه أحد فبقي يومه فأتاه في الليل جماعة من أهل أفريقية وكتامة وغيرهم وذكروا أنهم خافوا الحضور عنده من ابن الطبري ومن اتفق معه من أهل البلاد وأن علي ابن الطبري ومحمد بن عبدون وغيرهما قد ساروا إلى أفريقية وأوصوا بنيهم ليمنعوه من دخول البلد ومفارقة مراكبه إلى أن تصل كتبهم بما يلقون من المنصور وقد مضوا يطلبون أن يولي المنصور غيره‏.‏

ثم أتاه نفر من أصحاب ابن الطبري ومن معه ليشاهدوا من معه فرأوه في قلة فطمعوا فيه وخادعوه وخادعهم ثم عادوا إلى المدينة وقد وعدهم أنه يقيم بمكانه إلى أن يعودوا إليه فلما فارقوه جد السير إلى المدينة قبل أن يجمعوا أصحابهم ويمنعوه فلما انتهى إلى البيضاء أتاه حاكم البلد وأصحاب الدواوين وكل من يريد العافية فلقيهم وأكرمهم وسألهم عن أحوالهم فلما سمع إسماعيل بن الطبري بخروج هذا الجمع إليه اضطر إلى الخروج إليه فلقيه الحسن وأكرمه وعاد إلى داره ودخل الحسن البلد ومال إليه كل منحرف عن بني الطبري ومن معهم‏.‏

فلما رأى ابن الطبري ذلك أمر رجلًا صقليًا فدعا بعض عبيد الحسن وكان موصوفًا بالشجاعة فلما دخل بيته خرج الرجل يستغيث ويصيح ويقول‏:‏ إن هذا دخل بيتي وأخذ امرأتي بحضرتي غصبًا فاجتمع أهل البلد لذلك وحركهم ابن الطبري وخوفهم وقال‏:‏ هذا فعلهم ولم يتمكنوا من البلد وأمر الناس بالحضور عند الحسن ظنًا منه أنه لا يعاقب مملوكه فيثور الناس به فيخرجونه من البلد‏.‏

فلما اجتمع الناس وذلك الرجل يصيح ويستغيث أحضره الحسن عنده وسأله عن حاله فحلفه بالله تعالى على ما يقول فحلف فأمر بقتل الغلام فقتل فسر أهل البلد وقالوا‏:‏ الآن طابت نفوسنا وعلمنا أن بلدنا يتعمر ويظهر فيه العدل فانعكس الأمر على ابن الطبري وأقام الحسن وهو خائف منهم‏.‏

ثم إن المنصور أرسل إلى الحسن يعرفه أنه قبض على علي بن الطبري وعلى محمد بن عبدون ومحمد بن جنا ومن معهم ويأمره بالقبض على إسماعيل بن الطبري ورجاء بن جنا ومحمد‏.‏

ومخلفي الجماعة المقبوضين فاستعظم الأمر ثم أرسل إلى ابن الطبري يقول له‏:‏ كنت قد وعدتني أن نتفرج في البستان الذي لك فتحضر لنمضي إليه وأرسل إلى الجماعة على لسان ابن الطبري يقول‏:‏ تحضرون لنمضي مع الأمير إلى البستان فحضروا عنده وجعل يحادثهم ويطول إلى أن أمسوا فقال‏:‏ قد فات الليل وتكونون أضيافنا فأرسل إلى أصحابهم يقول‏:‏ إنهم الليلة في ضيافة الأمير فتعودون إلى بيوتهم إلى الغد فمضى أصحابهم فقبض عليهم وأخذ جميع أموالهم وكثر جمعه واتفق الناس عليه وقويت نفوسهم فلما رأى الروم ذلك أحضر الراهب مال الهدنة لثلاث سنين‏.‏

ثم إن ملك الروم أرسل بطريقًا في البحر في جيش كثير إلى صقلية واجتمع هو والسردغوس فأرسل الحسن بن علي إلى المنصور يعرفه الحال فأرسل إليه أسطولًا فيه سبعة آلاف فارس وثلاثة آلاف وخمسمائة راجل سوى البحرية وجمع الحسن إليهم جمعًا كثيرًا وسار في البر والبحر فوصل إلى مسيني وعدت العساكر الإسلامية إلى ريو وبث الحسن السرايا في أرض قلورية ونزل الحسن على جراجة وحاصرها أشد حصار وأشرفوا على الهلاك من شدة العطش فوصلهم الخبر أن الروم قد زحفوا إليه فصالح أهل جراجة على مال أخذه منهم وسار إلى لقاء الروم ففروا من غير حرب إلى مدينة بارة ونزل الحسن على قلعة قسانة وبث ودخل الشتاء فرجع الجيش إلى مسيني وشتى الأسطول بها فأرسل المنصور يأمره بالرجوع إلى قلورية فسار الحسن وعدا المجاز إلى جراجة فالتقى المسلمون والسردغوس ومعه الروم يوم عرفه سنة أربعين وثلاثمائة فاقتتلوا أشد قتال رآه الناس فانهزمت الروم وركب المسلمون أكتافهم إلى الليل وأكثروا القتل فيهم وغنموا أثقالهم وسلاحهم ودوابهم‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى وأربعين

فقصد الحسن جراجة فحصرها فأرسل إليه قسطنطين ملك الروم يطلب منه الهدنة فهادنه وعاد الحسن إلى ريو وبنى بها مسجدًا كبيرًا في وسط المدينة وبنى في أحد أركانه مأذنة وشرط على الروم أنهم لا يمنعون المسلمين فهو آمن سواء كان مرتدًا أو مقيمًا على دينه وإن أخرجوا حجرًا منه هدمت كنائسهم كلها بصقلية وإفريقية فوفى الروم بهذه الشروط كلها ذلة وصغارًا وبقي الحسن بصقلية إلى أن توفي المنصور وملك المعز فسار إليه وكان ما نذكره‏.‏